سند الطريقة الماجرية الحجاجية

سند الطريقة الماجرية الحجاجية

تنسب الطريقة الحجاجية إلى الشيخ الولي الصالح سيدي أبي محمد صالح الماگري الأسفي المتوفى سنة 631، وهو شيخ عالم فقيه ناسك من أهل التصوف والعرفان، وله الفضل في تأمين طريق الحج أيام الفتن، لما كان المغرب في اضطراب وفساد حتى صار لا تؤمن فيه النفوس والأموال، وحتى أفتى بعض فقهاء المغرب بسقوط الحج عن المغاربة لعدم الأمن على النفس والمال، ورد الفقيه ابن حبيب هذه الفتوى، وعمل الشيخ أبي محمد صالح على إبطالها . فقد كان الشيخ أبو محمد صالح يشترط على مريديه الذين يريدون الأخذ بطريقه أن يحجوا البيت الحرام أولا، ويكفيهم مؤونة السفر ويوفر لهم فنادق النزول، فإذا قضوا مناسكم ورجعوا إلى ديارهم، لقنهم الأوراد، وسار بهم في مسالك التربية ومدارج التصوف والعرفان، وقد شهد له العارفون الأصفياء بالمشيخة والذوق، وأثنوا عليه بالعلم والزهد، وأطبقت كلمات المشارقة والمغاربة عليه بالثناء والتوقير، فهو مغربي النشأة والطريقة، وله رحالات إلى المشرق لقي فيها أكابر الصوفية ومشايخ العلم، وقد حط الرحال بمصر زمنا، فتوطدت أواصر الأخوة مع أهلها، وترك فيها بعض أبنائه يقومون على خدمة الحجاج القادمين من المغرب، ولما رجع إلى المغرب هبت إلى الناس من كل صوب، وأتاه المريدون من كل فج عميق، فسار فيهم بسيرة القوم، وحدا بهم سبيل التهذيب والتصفية والترقية والفناء، وقد بنى طريقه على العلم والعمل جميعا، فلا ينفك العرفان عن الإتيان بالواجبات بل والمستحبات، واجتناب المنهيات وترك المكروهات والبعد عن الشبهات، مع صفاء الروح وسلامة القصد، ولا أدل على ذلك من اشتراط الحج على من يريد الأخذ عنه. أخذ الشيخ أبو محمد صالح التصوف وتربى على يد الشيخ سيدي أبي مدين شعيب بن الحسين الغوث ت594، دفين تلمسان ، وهو عمدته في العرفان والتربية، وله سند آخر عن الشيخ سيدي أبي شعيب السارية الصنهاجي ت561، وهذين هرمان شامخان من أهرام المغرب في التصوف، وله سند آخر مشرقي عن علم أشم وعالم جليل، له اليد الطولى في طريق القوم، وهو الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني البغدادي ت561، والشيخ الجيلاني نجم مضيء في سماء التصوف الإسلامي عموما، والمشرقي خصوصا، فمن خلال هذه المشيخية نستشف عظمة هذا الرجل، فنرى فيه تلك الشجرة التي سُقيت من معين الغرب والشرق، فأزهرت وأثمرت وآتت أكلها ضعفين، ولم تظلم منه شيئا، فسعت في ربط الغرب بالشرق عن طريق الحج، وأقامت للعلم التصوف مدرسة وسبيلا قويما على سنن العارفين وعباد الله الصالحين. فالشيخ أبو محمد صالح يأخذ عن الشيخ أبي مدين الغوث، عن الشيخ أبو الحسن علي بن حرزهم الفاسي، عن الشيخ أبي بكر بن العربي المعافري، عن الإمام الغزالي، عن الإمام أبي المعالي عبد الملك الجويني، عن أبي طالب مكي بن طالب القيسي، عن أبي الشيخ الإمام أبي القاسم الجنيد، عن الشيخ السري السقطي. ويأخذ عن الشيخ أبي شعيب السارية الصنهاجي، عن أبي ينور بن وكريس الدكالي، عن الشيخ عبد الجليل ويحلان الدكالي ، عن الشيخ أبي الفضل بن بشير المصري، عن والده الشيخ أبي الحسن النوري، عن الشيخ السري السقطي. وأخذ عن الشيخ عبد القادر الجيلاني، عن الشيخ أبي سعد المبارك المخزومي، عن الشيخ علي بن محمد القرشي، عن الشيخ ابن الفرج الطرسوسي، عن الشيخ عبد الواحد بن عبد العزيز البيهقي، عن الشيخ أبي بكر الشلبي، عن الشيخ أبي القاسم الجنيد. ويتصل عن الشيخ الجنيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق الشيخ السري السقطي، عن معروف الكرخي، عن الشيخ أبي سليمان داوود بن نصر الطائي، عن حبيب العجمي، عن الإمام الحسن البصري، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا سند صوفي يعرفه أهل التصوف، وعليه اتفاق الطرق الجندية العرفانية، كما هناك سند حديثي وفقهي، فهذا سند عرفاني له أهله وأصحابه، وقد ألفت فيه المؤلفات وصُنفت في أصحابه الطبقات، ولا يحسبن أحد أن هؤلاء الأعلام كانوا عدمي فكرة في علم الحديث وطرق التحمل والعلل والتعديل والتجريح، بل هم من أئمته وأهله، فقد اعترض عنهم بأن الحسن البصري لم يسمع من علي رضي الله عنه، وأجاب عنه الإمام بن حجر في التهذيب، والسيوطي والشهاب الخفاجي في نسيم الرياض والبرزلي في نوازله، والروايات مطبقة على أن الحسن البصري رضي الله عنه كان في عمره أربع عشرة سنة يوم خرج علي رضي الله عنه من المدينة، وهذا دليل على إمكان اللقي على شرط مسلم، وروي عنه أنه لقيه على شرط البخاري، وبه سقطت دعوى من أنكر، وبطل اعتراضه، كما أن الأصل عند المحدثين أن يقدم المثبت على النافي؛ لأن الحافظ حجة على من لم يحفظ. فالطريقة الحجاجية طريقة صوفية سنية، أصلها جنيدي مشرقي، وفرعها مترعرع في سماء المغرب، ويكفيها شرفا أن نسبت لنسك من مناسك الإسلام وهو الحج، فقد سموا الحجاجيين، لأن الحج شرط في دخول الطريق، وقد حظي الإمام أبي محمد صالح الماكري، بعناية أبنائه وأحفاده، وبالتوقير والإجلال من جانب المغاربة، فقد ألف في ذكر كرماته ومآثره حفيده، أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي محمد صالح كتاب "المنهاج الواضح في تحقيق كرامات أبي محمد صالح"، وأفاض في الثناء عليه التادلي في التشوف، وصنف محمد بن أحمد الكانوني فيه" البدر اللائح والمتجر الرابح في مآثر آل أبي محمد صالح"، وجل كتب التراجم المغربية تذكره وتعرض لبعض كرماته ومناقبه، فرضي الله عنه، وسقاه شآبيب الرحمة والغفران. لقد طواعني بناني أن أكتب هذه الكلمة، بإيعاز من خواطر وهواجس جاشت في النفس، بمناسبة شهر رمضان، إذ أن عادة أولياء الله تعالى في القرن الخامس والسادس والسابع والثامن أن يجتمعوا برباط شاكر بضفة وادي تانسيفت من بلاد أحمر، فيحيون الليل في التهجد والقراءة والذكر، حتى ينقضي رمضان، فينصرفون إلى بلدانهم، هذا الذي ذكره التادلي في التشوف، ونقله عنه غير واحد من العلماء، وكان أهل التصوف إذا انصرفوا من رباط شاكر ربما ساروا إلى رباط أبي محمد صالح بحوز آسفي، أو إلى رباط أبي زكريا ، وهذين من أشهر ربط قبيلة عبدة، ولهما دور هام في تاريخ القبيلة الروحي والاجتماعي والسياسي.