التطبيقات الذكية بين النقل والسياحة: صراع التقليد و الابتكار أم فوضى اقتصادية

التطبيقات الذكية بين النقل والسياحة: صراع التقليد و الابتكار أم فوضى اقتصادية

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب مواجهات متكررة بين سائقي سيارات الأجرة وسائقي السيارات العاملين عبر تطبيقات النقل مثل Uber وBolt. هذا الصراع يعكس التحولات العميقة التي أحدثتها التكنولوجيا في القطاعات التقليدية، حيث يرى سائقو سيارات الأجرة أن هذه التطبيقات تقدم خدماتها خارج الإطار القانوني، مما يؤدي إلى منافسة غير عادلة تهدد مصدر رزقهم. المشهد لا يختلف كثيرًا في القطاع السياحي، حيث أثرت المنصات الرقمية بشكل مباشر على الشركات السياحية المرخصة والمرشدين السياحيين، وأصبح السائح يفضل التعامل مع الخدمات المقدمة عبر التطبيقات التي غالبًا ما تكون أقل تكلفة وأكثر مرونة.  

هذا التحول في نماذج الأعمال يطرح العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بدءًا من تأثيره على اقتصاد السياحة، مرورًا بتراجع أسعار الخدمات وضعف الإقبال على المرخصين، وصولًا إلى طرح تساؤلات حول جودة الخدمات المحلية وثقة السائح الأجنبي بها. فما هي أبعاد هذا التأثير وكيف يمكن مواجهته؟  

الأثر الاقتصادي لمنصات السياحة الرقمية  

ظهور المنصات الرقمية غيّر طبيعة المنافسة في القطاع السياحي. من جهة، وفرت هذه المنصات خيارات متنوعة للسياح بأسعار منخفضة، ومن جهة أخرى، وضعت الشركات المرخصة أمام تحديات كبيرة بسبب غياب التوازن بين التكلفة والجودة. العامل الأبرز في هذا الصراع هو انخفاض أسعار الخدمات التي تقدمها المنصات الرقمية مقارنة بالخدمات التقليدية. يعود ذلك إلى غياب الالتزامات التنظيمية والضرائب التي يتحملها الفاعلون التقليديون، ما يؤدي إلى إضعاف موقف الشركات السياحية المرخصة في السوق.  

ضعف الإقبال على المرشدين السياحيين المرخصين يُعد نتيجة مباشرة لهذه المنافسة. السياح يفضلون أحيانًا التعامل مع مرشدين غير مرخصين عبر المنصات الرقمية، نظرًا للتكلفة الأقل أو المرونة في البرامج السياحية. هذا التوجه، رغم فوائده الظاهرة، يثير مخاوف بشأن جودة الخدمة المقدمة للسياح وغياب الرقابة على التجارب التي يحصلون عليها.  

إشكالية الثقة في الخدمات المحلية  

عامل الثقة يلعب دورًا حاسمًا في اختيار السائح للخدمات. المنصات الدولية مثل Airbnb وTripAdvisor تستند إلى نظم تقييم ومراجعات تتيح للسائح اتخاذ قراره بناءً على تجارب سابقة. في المقابل، تعاني الشركات المحلية في المغرب من ضعف الحضور الرقمي وغياب نظم تقييم موثوقة، مما يترك انطباعًا سلبيًا لدى السائح الأجنبي. هذا الانطباع يتعزز بسبب ضعف التسويق الرقمي، وغياب الابتكار في تقديم الخدمات، وضعف التواصل مع الأسواق العالمية.  

تأثير التحول الرقمي على الاقتصاد المحلي  

من أبرز الإشكاليات المرتبطة بهذه الظاهرة هو تحويل جزء كبير من إيرادات القطاع السياحي إلى الخارج. المنصات الرقمية التي تتخذ من دول أخرى مقرًا لها تحصل على عمولات ضخمة من الحجوزات والمعاملات التي تتم عبرها، مما يقلل من مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي العمل غير المنظم عبر المنصات إلى انتشار خدمات غير مطابقة للمعايير، مما يضر بسمعة المغرب كوجهة سياحية مميزة. 

. غياب التنسيق والتعاون بين الجمعيات المهنية يؤدي إلى تضارب المصالح وضعف الموقف التفاوضي أمام السلطات والشركات العالمية التي تدير المنصات الرقمية. كما أن التنافس الداخلي بين الفاعلين أنفسهم يعزز حالة التشتت، مما يجعل القطاع أقل استعدادًا لتطوير حلول فعالة ومبتكرة لمواجهة التحديات.  

وجود جمعيات مهنية موحدة وقوية يمكن أن يشكل ركيزة أساسية لتنظيم القطاع وحمايته، بشرط أن تعمل هذه الجمعيات على تعزيز التعاون والتنسيق بين الفاعلين، مع التركيز على الابتكار والتكيف مع التحولات الرقمية بدلاً من مقاومتها.

التحولات التي أحدثتها المنصات الرقمية في قطاعات مثل النقل والسياحة تعكس واقعًا جديدًا يتطلب استجابة مرنة وفعالة. التحدي ليس في وجود هذه المنصات، بل في كيفية إدماجها في إطار قانوني وتنظيمي يضمن استفادة الجميع من هذه الثورة الرقمية. إذا تم التعامل مع هذه الظاهرة بوعي واستراتيجية، يمكن للمغرب أن يعزز مكانته كوجهة سياحية عالمية مستدامة ومبتكرة.

سعيد لكبوري