مفهوم العائق الإبستمولوجي عند كاستون باشلار:1

مفهوم العائق الإبستمولوجي عند كاستون باشلار

مفهوم العائق الإبستمولوجي عند كاستون باشلار:1

الإبستمولوجيا مصطلح ذو أصل يوناني يتكوم من كلمتين Epistmo ويعني المعرفة أو العلم وlogos ويفهم منها علم ،نقد ، دراسة ، نظرية، ويمكن أن نقول حسب الإشتقاق هي "علم العلوم " أو "الدراسة النقدية للعلوم". نشأت الإبستمولوجيا كمبحث في بداية القرن العشرين، وذلك بفضل الثورات العلمية ، خلال الثورات العلمية إرتكز المفكرون والفلاسفة على العلوم لتحديد أصلها المنطقي والتركيز على فرضيات العلم ومبادئه ونتائجه لفهم تطور العلم. مبحث الإبستمولوجيا يمكن أن نسميه بالفلسفة العلمية، لكن ليست بفلسفة بالمفهوم الكلاسيكي دراسة الوجود من حيث هو موجود بل تتميز الفلسفة العلمية أو الإبستمولوجيا عن الفلسفة الكلاسيكية، فإن كانت الفلسفة القديمة تدرس الوجود بشكل عام فإن الإبستمولوجيا هي فلسفة كذلك لكن موضوعها هو الخطاب العلمي على خلاف الفلسفة القديمة التي تتناول الوجود بشكل عام، رغم تفرعاته وأشكاله، فلاوجود هو موضوعها، أما الإبستمولوجيا فتقتصر على الخطاب العلمي وتدرس هذا الخطاب دراسة نقدية لكل مبادئه وفروضه ونتائجه لتبيان قيمته هذه هي الإبستمولوجيا كمفهوم. يتعبر بعض المفكرون أن الفلسفة العلمية هي فلسفة بديلة للفلسفة الكلاسيكية، وذلك أن الفلسفة الكلاسيكية لم تعد تستجيب لحركية العلم وتقدمه الهائل، فلاعلم يتقدم باستمرار أما الفلسفة فقد بقيت حبيسة في المذاهب، في هذا المستوى ظهرت الإبستمولوجيا بين تقدم العلم وما يشهده من ثورات متتالية وبين الفلسفة وما تعرفه من سكون وثباث لم يعد للفيلسوف دور إلا دراسة نقدية وتجديد مرتكزاته ونتائجه. فمبحث الإبستمولوجيا هو فلسفة تتلون بالعلم وتتخذ خاصيته التي يتميز بها، أي تتقدم كما يتقدم العلم وتتجدد كما يتجدد ولا يمكن أن نقول بأن الإبسمولوجيا هي فلسفة تتدخل في العلم لذلك أصبحت فلسفة علمية، بل العكس من ذلك فالفلسفة الكلاسيكية تنطلق من أفكار مسبقة ومقولات جاهزة، أو كما يظن ديكارت Descartes الإنطلاق من البسيط إلى المعقد، فالعلم شهد تقدما وأصبح كل ماهو بسيط معقد وكل ماهو معقد أصبح بسيطا، ولم تعد للمقولات الفلسفية أية أهمية لدراسة الخطابات العلمية، فمقولة المكان والزمان على سبيل المثال لم يعد لها المعنى القديم بل لها معنى آخر في العلم، بمعنى أن الزمان والمكان أصبح لهاته المقولات تصو آخر في هذا العصر يخالف تماما تصور القدماء لمفهومي الزمان والمكان. وبشكل عام فإن مفهوم الإبسمولوجيا هو مبحث يدرس العلم بالنقد فالفلسفة انفصلت عنها العلوم ولم تعد للفلسفة إلا نقد هذه العلوم، يمكن أن نقول أن هناك فلسفة قديمة وفلسفة العصور الوسطي والفلسفة الحديثة، ثم المعاصرة وحسب هذا التقسيم المعتاد يمكن أن نقول أن الفلسفة القديمة هي فلسفة الوجود، وفلسفة العصور الوسطى هي فلسفة في الوجود أما الفلسفة الحديثة فهي نظرية في المعرفة، أما مبحث الإبستمولوجيا فهي فلسفة علمية، لكن تختلف عن كل المباحث لأنها تهتم بالنظريات العلمية وكل مايفرزه العلم من خطابات، والإرتكاز على مبادئ العلوم ونتائجها، فأصبحت الفلسفة منفتحة على العلوم بالدراسة والبحث والنقد، مما أدى إلى ظهور فلسفة جديدة مختلفة عن الفلسفة القديمة، والإبستمولوجيا بهذا الصدد أصبحت فلسفة بديلة، لكن الإبستمولوجيا ليست تدخلا فلسفيا في العلم بل فقط تتناول القضايا العلمية من باب التخلية عن أي مبدأ فلسفي أو فكرة مسبقة وبدون أي أمل في العلم، فمهنج الإبستمولوجيا هو نقد وتحليل النظريات تتقيد بتلك المنتهج التي ارتكزت عليها النظرية العلمية، كانتا نظرية، فيزيائية أو رياضية، فهي فقط تسعى إلى تفسير الخطابات العلمية وتبيان قيمتها العلمية . هذا هو دور الإبستمولوجي تختلف عن الفلسفة بالمفهوم القديم كما تختلف عن المباحث الموازية لها رغم التدخل الحاصل فيما بين هذه المباحث، وسأوضح ذلك في المقال الثاني، لأن الأمر يقتضي إعطاء كل مبحث من المباحث توضيحا على مستوى الموضوع والمنهج والغاية كذلك . الإبستمولوجيا هي مبحث قديم جدا وحديث جدا كما قال الجابري في تعريفه لهذا المبحث، قديم لأنه يعتمد على النقد والتحليل لا يعترف لأي علم بالمطلق، بل النسبي وحديث لأنه نوع من الفلسفة الجديدة، فمنذ سقراط، شهدت الفلسفة النقد والتحليل نقد النظريات سواء فلسفية كانت أو علمية، وبعد انفصال العلوم عن الفلسفة أصبحت مهمة الفلسفة هي نقد هذه العلوم، فهل الإبستمولوجيا هي فلسفة أم لا ؟ ما الذي يميزها عن الدراسات والأبحاث الأخرى ؟ وكيف ظهرت ؟ ولماذا؟ ولما تعتبر فلسفة بديلة ؟ كل هذه الأسئلة، سيتضح جوابها في المقال الثاني أثناء الحديث عن المباحث الموازية للابستمولوجيا .