القاضي عياض (1) : لماذا تم اختياره ضمن رجال مراكش السبعة؟

شكلت مدينة مراكش على مر العصور ملتقى لرجالات التصوف، حيث تحتضن تربتها العديد من الأولياء أو ما يعرف ب" الصلاح " يقول المثل الشعبي " مراكش كل قدم بولي" ،ويتضح التأثير العميق للتصوف بالمدينة سواء من خلال هندستها وشكل بناء أحياءها( حوماتها ) أو من خلال ارتباط تلك التجمعات السكنية بالولي الشهير بالحومة أو المدفون بها، وهو يتضح في انتشار العديد من القباب والأضرحة في كل أرجاء المدينة العتيقة. كانت الطرق الصوفية ممثلة بزاوية هذه الأخيرة لعبت أدوارا أساسية في حياة السكان على طول تاريخ المدينة باعتبارها مراكز علمية تربوية تنشر العلم وتعطى فيها ثقافة دينية وشعبية كما ترشد الناس إلى حسن السيرة والسلوك والتعامل، وهي مراكز اجتماعية للمساعدة والإطعام والإيواء والتوجيه ونوادي لتبادل الأخبار والمعلومات والتجارب والاستجمام والراحة. عند مدخل حي باب ايلان أو هيلانة، وهي من الحومات القديمة بمراكش ينتصب ضريح القاضي عياض بجوار ضريح مولاي علي الشريف وزوجته للا محنَة، ممنوع زيارة الضريح يقول أحد الشبان وهو يشير إلى زيارة مولاي علي الشريف، ضريح للامحنة آيل للسقوط لا تنفتح أبوابه إلاَ خلال الزيارات الرسمية أما ضريح القاضي عياض ـ يضيف ذات المصدر ـ فهو مخصص للشرفاء على حد تعبيره جميع الأبواب المؤدية للضريح تم إغلاقها، حيث كانت تتحول الساحة المجاورة للضريح إلى ملعب لكرة القدم وبها يتم اختبار لاعبي فريق " مغرب باب يلان" العديد من الشيوخ يترقبون افتتاح الضريح فيما تحمل النساء الحناء والشموع للتبرك من الولي القاضي عياض لا يعرفن نسبه لكن بركته كبيرة تقول إحداهن قبل أن تهمس صديقتها بأنها تستعد لتزويج ابنتها الكبرى، وتخاف عليها من العين لذلك قررت وضع قليل من حناء" الزغاريد " بالضريح ليكتمل الفرح، تساءل أحد الشبان عن سر اختيار القاضي عياض ضمن سبعة رجال وعدم اختيار مولاي علي الشريف ليخبره أحد الشيوخ أن بركة القاضي عياض فاقت أرجاء المغرب ليسترسل في الحديث عن القاضي عياض، كأنه عايشه قائلا : " لقد كان قاضيا نزيها بمنطقة سيدي ايوب يفترش حصيرا، سمع عنه يوسف بن تاشفين وحاول اختباره بأن اصطحب معه يهويديا وادعى أن له خلاف معه ليقرر القاضي عياض حكما ضد يوسف بن تاشفين، الذي وضع لثاما لكي لا يفتضح أمره قبل أن يزيله ويخبر القاضي عياض بنيته في أخذ القصاص منه لو لم يحكم بالعدل ليفاجئه القاضي عياض بأفعى ضخمة تحت فراشه كانت ستفتك به لو لم يقبل الحكم " أسطورة يحكيها الرجل بكل وثوق على اعتبار أن القاضي عياض من أولياء الله الصالحين بالنسبة له، زيادة على كونه تاريخيا ظهر في مرحلة قبل المولى علي الشريف الأمر الذي اقتنع به الشاب الذي لا زال مندهشا من حكاية يوسف بن تاشفين . والقاضي عياض بن موسى اليحصبي الذي يعود نسبه إلى إحدى قبائل اليمن العربية القحطانية، وكان أسلافه قد نزلوا مدينة "بسطة" الأندلسية من نواحي "غرناطة" واستقروا بها، ثم انتقلوا إلى مدينة "فاس" المغربية، ثم غادرها جده "عمرون" إلى مدينة "سبتة" حوالي سنة (373 هـ = 893م)، واشتهرت أسرته بـ"سبتة"؛ لما عُرف عنها من تقوى وصلاح، وقد ولد القاضي عياض في منتصف شعبان عام 476 هـ (1083م) بمدينة سبتة في حضن أسرة كانت تعتز بما كان لها من ذكر في القيروان وبسطة وقلعة يحصب وفاس وبما بنته في سبتة من آثار، وفي السنة التي ولد فيها عياض استولى على سبتة المرابطون وبعد ثلاث سنوات من ولادته كانت وقعة الزلاقة الشهيرة، وهكذا كان ميلاد القاضي عياض في ظرفية تاريخية سيبرز خلالها اسم المغرب ويذيع صيته وينتشر إشعاعه وينجب أعلاما من طبقة القاضي عياض . في ظل تلك الدولة المجاهدة السلفية، وُلد ونشأ وترعرع القاضي عياض، وفي ظلها أيضًا تعلم وتمهر وتقدم في شتى العلوم، وفي ظلها أيضًا صار القاضي عياض من أعلام العلماء وكبار القضاة، ولأن تلك الدولة لم تعمّر طويلاً فإن القاضي عياض قد شاهد تلك الدولة وهي في عنفوان شبابها، وأوج قوتها، وأقصى اتساعها، ثم رآها وهي تندحر شيئًا فشيئًا، وتظهر فيها علامات السقوط مثل الفساد والترف، ورآها أيضًا وهي تهزم المرة بعد الأخرى أمام جيوش أتباع مدعي المهدية ابن تومرت والملقبين بالموحدين، مما كان يؤذن بأفول شمس تلك الدولة وخروجها من ساحة الأحداث إلى ثبت الذكريات. تولى القاضي عياض منصب القضاء سنة 510هـ في مدينة سبتة، وكان في الخامسة والثلاثين، وكانت أولى علامات الفساد بدأت في الظهور في جنبات الدولة المرابطية، وكانت تلك العلامة هي الوساطة والشفاعة لبعض الناس والمحسوبية لهم على حساب الآخرين فتصدى القاضي عياض لتلك الآفة، وسار في ولايته بمنتهى النزاهة والأمانة، وأبدى حزمًا في تطبيق الحدود والأحكام، واشتهر بين الناس بغزير علمه وحفظه، وصدق طريقته، ودقة فتياه، وحياديته الكاملة، حتى طارت شهرته في كل مكان. تلك الشهرة بكل خير جعلت أمير المسلمين ـ وهو لقب سلطان المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين يوليه قضاء غرناطة بالأندلس، ليصلح من شأنها، نظرًا لانتشار المفاسد بين أهلها، وكثرة القلاقل والاضطرابات بها، فتولى القاضي عياض قضاء غرناطة في سنة 531هـ، فقام به خير قيام، وأعرض عن الشفاعات والمؤثرات، وردع أرباب الولايات وأتباع السلطان عن الباطل، وعزل كل من ثبتت عدم أهليته وكفايته من منصبه، فشرد كثيرًا من حاشية أمير الأندلس تاشفين بن عليّ عن أعمالهم ومناصبهم، فاستاء منه الأمير «تاشفين بن عليّ وضاق به ذرعًا، خاصة والقاضي عياض يرفض رفضًا تامًا أي تدخل في عمله وأي محسوبية أو وساطة، حتى لو كانت من الأمير نفسه، فالقاضي عياض عالم رباني يؤثر الحق ومرضاة الخالق على ما سواهما، كائنًا ما كان، فسعى الأمير تاشفين بن علي عند أبيه أمير المسلمين علي بن يوسف حتى يصرف القاضي عياض عن منصبه، وبالفعل تم له مراده وعُزل القاضي عياض عن منصبه في رمضان سنة 532هـ. لم يفت هذا العزل في عضد القاضي عياض ولم ينل من مكانته ولا قدره، فعاد إلى مدينته سبتة وعكف فيها على التدريس والفتيا ونشر العلم، ثم طلب أمير المرابطين تاشفين بن علي سنة 539هـ أن يلي منصب القضاء في سبتة، وكانت أحوال دولة المرابطين قد تدهورت بشدة، واكتسحت جيوش الموحدين معظم ولاياتها في المغرب فأراد تاشفين بن علي رجالاً صالحين وأشداء في تلك المناصب الحساسة لوقف تدهور الدولة المرابطية أكثر من ذلك، وسبحان الله، كم لله عز وجل في خلقه شئون؛ فتاشفين بن علي هو الذي اجتهد أول مرة لعزل القاضي عياض عن منصبه، وهو نفسه الذي اجتهد لإعادته لنفس المنصب، وذلك عندما احتاج لعلمه وزهده ونزاهته. حرر بتاريخ 02/07/2017