الأدارسة

الأدارسة

استطاع ادريس الأول أن يجد أرضية خصبة وظروف ملائمة مكنته من بناء مشروعه، تمكن فيها من بناء كيان سياسي 172 990 -758 / 375م مستقل عن الخلافة في المشرق، ويمكن تقسيم المدة الزمنية التي مرت منها الدولة الإدريسية إلى قسمين أساسيين، فترة التأسيس والازدهار وفترة الضعف والانهيار. 1 - طور التأسيس والازدهار شملت هذه المرحلة حكم كل من الأب والابن والحفيد تمكنوا خلال هذه الفترة من تثبيت دعائم الدولة ونشر الإسلام ومواجهة الأخطار الخارجية وتوسيع رقعة حكمهم. أ-ادريس الأول 177-172هـ. هو إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب منفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم أمه عاتكة بنت الحارث ابن خالد بن العاص بن المغيرة المخزومي. احتدم الصراع في المشرق بين العباسيين والعلويين ودخلوا في معارك ومناوشات فيما بينهم ومن بين تلك المعاركنذكر معركة الفخ التي جرت بضواحي مكة على بعد ثلاثة أميال منها في المكان المعروف بفخ، ووقعت هذه الحادثة يوم السبت الثامن من ذي الحجة يوم التروية عام (169هـ / 786م) اختلت موازين القوى في هذه المعركة فمالت للعباسيين الذين تفوقوا بالعدة والعدد على العلويين، بذلك كانت نتائج المعركة محسومة لصالح العباسيين ويصفها ابن أبي زرع بأنها لم تكن معركة بل كانت "مجزرة.".. واستطاع الإمام ادريس بمساعدة مولاه راشد أن يجد مع حجاج إفريقية مركبا عبر به البحر الأبيض الأحمر إلى بلاد النوبة ومنه إلى مصر حيث تلقى مساعدة من الذين يعطفون على آل البيت. وتختلف الروايات التاريخية في الطريق الذي سلكه إدريس ومولاه الراشد وفي دخولهما إفريقية من عدمه، فالبكريينفي دخول ادريس ومولاه مدينة القيروانإلا أن ابن أبي زرع ذهب إلى أنه دخل إفريقية وأقام بها لفترة ثم انطلق لإكمال طريقه للمغرب الأقصىويمكن تغليب الرواية الأولى في ظل المعطيات التي تشير إلى أن الأغالبة كانوا يحكمون إفريقية وكانوا على ولاء شديد للخلافة بالمشرق. وإن يكن فقد وصل ادريس إلى طنجة وتوجه إلى وليلي فوجد الاستجابة عند صاحبها اسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة، أعظم القبائل البربرية بأسا وأشدها شوكة فبايعوه رمضان 172هـ/ 789مفبايعوه على السمع والطاعة والقيام لأمره والاقتداء به في صلواتهم وغزواتهم وسائر أحكامهم،وكانت قبيلة أوربة وفيرة العدد قوية الشكيمة تفرض سيطرتها على منطقة زرهون، ولما انتشر نبأ مبايعة الإمام ادريس في وليلي وفدت على مبايعته قبائل زناتةوزواتة وسدراتة وغياتة ومكناسة وغمارة. وما إن بويع ادريس حتى كون جيشا من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة ونفوارة لفتح أقاليم مغربية أخرى وتوسيعمملكته فاستولى على شالة، ثم على سائر بلاد تامسنا وتادلا، وعمل على نشر الإسلام بها ثم عاد بجيشه إلى وليلي في آخر دي الحجة من سنة 172هـ وتوقف مدة قصيرة بقصد إراحة الجنود. ثم خرج في سنة 173هـ لنشر الإسلام بالمعاقل والجبال والحصون مثل حصون قندلاوة وحصون مديونة وبهلولة وقلاع غياتة وبلاد فزاز أي الأطلس المتوسط، حيث استجاب السكان لدعوته بالقبول. بعد هذه الإنجازات أصبحت أعين ادريس متجهة نحو الشرق ولم يلبت ادريس أن قصد مدينة تلمسان حيث أسلم أميرها محمد بن خرز المغراوي وجميع من معه بتلمسان من قبائل زناتة، وهناك شيد الإمام مسجدا في صفر 174/ 796م فكان هذا العمل من أكبر إنجازات الدولة الإدريسية ومنذ البداية عمل ادريس الأول على ضرب السكة باسمه تدلعلى استقلاله بالحكم، وعدم التبعية لأية سلطة خارجية عن منطقة المغرب. وهكذا حصل ادريس على نتائج كبيرة في أقل من سنتين لفضل جده ومثابرته وشجاعته، وأصبح يضم تحت سلطته مملكة ممتدة من بلاد تامسنا غربا إلى تلمسان شرقا. متل دخول الأدارسة لتلمسان تهديدا صريحا للخلافة في المشرق ولما وصلت الأخبار إلى الرشيد أن، ادريس قداستقام له أمر المغرب وبايعه كافة من بها من قبائل، وأنه قد دخل المدينة وبنى مسجدها، وأخبر بحربه وحاله وكثرة جنوده وشدته في الحرب، وأنه قد عزم على غزو إفريقية، فخاف الرشيد أن يعظم أمره...فاغتم لذلك غما شديدا وعظم عليه شأنه، فبعث إلى وزيره القائم بأمر مملكته وصالح سلطانه يحيى بن خالد البرمكي، فأخبره بأمر ادريس واستشاره في أمره.. فأخبره أن من ملك الباب يوشك أن يدخل الدار، وقد عزمت على أن أبعث له جيشا عظيما لقتاله، ثم إني فكرت في بعد البلاد وطول المسافة وثنائي المشرق عن المغرب، ولا طاقة لجيوش العراق على الوصول إلى سوس من أرض المغرب ورجعت عن ذلك، وقد هالني أمره فأشر على برأيك فيه، فقال يحيى يا أمير المؤمنين أرى من الرأي أن تبعث إليه برجل ذي حزم ومكر ودهاء ولسان وإقدام وجرأة فيقتله وتستريح منه، فقال الرأي ماذكرت. وقد وقع الاختيار على رجل اسمه سليمان بن جرير المعروف "بالشماخ" ويذكر صاحب كتاب الاستبصار فيعجائب الأمصار أنه لما انبسط إليه ادريس وأخلى له وجهه قال له سليمان '' جعلني الله فداك، هذه قارورة فيها غالية رفيعةأوصلتها معي، وأعلم أنه ليس ببلدك طيب فجئتك بها، ووضعها بين يديه ففتحها ادريس وشمها وتخلق بها .... فلما وصل السم إلى خياشيم ادريس، وتغلغل في دماغه سقط مغشيا عليه لا يعقل، ودفن بزرهون إلا أن الدولة الإدريسية لم تقف عند هذه النقطة. ب – إدريس الثاني 213 -177هـ توفي الإمام إدريس الأول دون وريث وكادت هذه الدولة الجديدة طرية العود أن تسقط مجرد أن ظهرت للوجود لولاأن قبض الله لها من أنقدها من السقوط المحتم، وهنا يظهر إخلاص راشد لآل البيت فكما أنقد سيده وإمامه إدريس منالعباسيين مرات عدة، أنقد الدولة الناشئة بعد وفاة مؤسسها، فبعد أن فرغ من دفن سيده جمع رؤساء البربر ووجهائهم فوعظهم وترك لهم الخيار فيمن يقوم بأمرهم قائلا '' إن إدريس لم يترك ولدا ذكرا إلا حملا من أمته كنزة وهي الآن في الشهرالسابع من حملها، وخيرهم إن رأيتم أن تصبروا حتى تضع حملها..'' أسند شيوخ أوربة مهمة الوصاية على الإمارة لراشد بن منصت الأوربي المذكور وبعد اغتياله بتدبير إبراهيم ابن الأغلب في محاولة ثانية لزعزعة أركان الإمارة الإدريسية، سارع مشايخ القبائل إلى بيعة إدريس الأصغر بوليلي سنة 188هـ803 / م وعمره إحدى عشر سنة ونصف. وقد وصلت أصداء بيعة المولى إدريس الثاني إلى أقصى البلاد فورد سنة 189هـ 805 /م على حاضرة زرهون زهاء خمسمائة فارس من وفود العرب من إفريقية ومن القيسية والأزد ومدلج وبني يحصب، ومن الأندلس مئات من الأسر...ولقد ورد على إدريس عدة وفود من العراق أيضا. ساعدت هذه الوفود المولى إدريس الأصغر لاصطفاء ما يصلح منهم للخدمة من ضمن خطط الوزارة والكتابةوالقضاء وتذكر الروايات أنه باشر فك ارتباط الإمارة بمشايخ أوربة ومضغرة بتدبير من أمه كنزة، وقد تحرك إدريس الثاني هو الآخر إلى تلمسان حيث أرغم ابن عمه محمد بن سليمان على مبايعته سنة 199هـ814 / م، كما اتجهت أنطاره نحو الجنوب فاستولى على مدينة شالة على حدود منطقة بورغواطة ثم تدخل بجيوشه ناحية سوس وقصد مدينة نقيس فأخضعها سنة 197هـ812 / م، وكذلك أغمات. وهكذا لم تمضي خمس سنوات على البيعة حتى شعر الإمام الشاب بالحاجة إلى بناء قاعدة لسكناه وسكنى خاصتهووجوه دولته تكون أول عاصمة إسلامية في المغرب الأقصى، وما أن حلت سنة 192هـ حتى اختط أو أتم اختطاط مدينة فاس. توفي سنة 213هـ بعد أن امتد حكمه من سوس الأقصى إلى وادي شلف. وسبب وفاته أنه تناول حبة عنب فشرق بها ويعتقد أنها كانت مسمومة وكانت وفاته مدينة فاس ودفن بمسجده الشرفاء. ت- محمد بن إدريس 221-213هـ تخلف الإمام إدريس الثاني باثني عشر ولدا ذكر منه محمد وعبد الله وعيسى وادريس وأحمد وجعفر ويحيى والقاسم وعمر وعلي وداوود وحمزة بكرهم محمد وابنة وحيدة عاتكة ويقول الإخباريون أن محمد ابن إدريس، بعد توليته الأمر قرر بإشارة من جدته كنزة أن يحتفظ بمنصب الإمامة وإدارة مدينة فاس. وقد جرى تعيين أخوه محمد ابن ادريس على النحو التالي: • تولى القاسم ابن ادريس طنجة سبتة حجر النسر وتطوان وبلاد معمورة وما إلى ذلك إلى القبائل • تولى داوود ابن ادريس بلاد هوارة وتسول ومكناسة وجبال غياتة وتازة، • عيسى ابن دريس فقد نيط بولاية شالة وسلا وأزمور وتامسنا وما إلى ذلك من القبائل • تولى يحيى ابن ادريس مدينة البصرةوأصيلا والعرائش إلى بلاد ورغة • عمر ابن ادريس فقد ولي على تيجساس وتدعة وبلاد صنهاجة وغمارة وما والاها • تولى أحمد ابن إدريس مدينة مكناسة وبلاد المصامدة وسوس • تولى حمزة ابن ادريس تلمسان وأعمالها. وأقام محمد ابن ادريس في فاس بعد أن كفاه إخوته مؤنة إدارة أقاليم الدولة باسمه. لقد كان لهذا القرار نتائج إيجابية وسلبية في آن واحد بحيث رسخ هذا التقسيم مكانة الشرفاء الأدارسة في أواسطالقبائل حسب ما يبدوا وركد الصراع بين العصبيات في مركز الإمارة كما ساهم هذا التدبير في استحداث مدن جديد وإحياء رسوم المدن المندثرة في مختلف الولايات. أضف إلى ذلك تدعيم اللامركزية في الحكم. لم تمر هذه الخطة دون مشاكل، لكنه تمكن من احتواء ثورة أخيه عيسى ببلاد تامسنا وإسكات صوت الانفصال فيالمهد. وقد عرف عهده استقرار ملحوظا كعهد خلفه علي ابن محمد 234-221هـ848-835 /م التي امتد سلطانه وعظمت دولته ويعتبر جامع القرويين الذي بنته فاطمة الفهرية سنة 245هـ 859 /م أبرز مثال على توسيع العمران الحضري في أيامه -2طور الضعف والتفكك أ- الأسباب الداخلية أفضى القرار الذي اتخذه محمد بن ادريس المتمثل في تقسيم الحكم بين إخوته إلى ظهور بوادر الانقسام وتسللالضعف لهذه الدولة فانطلقت مع تمرد عيسى على أخيه ورغم تمكن هذا الأخير من القضاء على هذه الثورة إلا أن هذا الانقسام تأجل، فقد أضعف هذا التقسيم الإدارة المركزية في مراقبة الولاة، فقد عزز نشوب النزاعات بين الإخوة. أضف إلى ذلك عدم قدرة الأدارسة على السيطرة على أجزاء مهمة من المغرب كسجلماسة وتامسنا، بل وحتى فاس، مع أنهم هم الذين اتخذوها عاصمة لدولتهم. نضيف لذلك إهمالهم أو يأسهم من القضاء على المذاهب المتناقضة والتي تخالف روح الإسلام في أكثرها، فلم يواصلوا مقاومة برغواطة كما أنهم لم يوقفوا نشاط الخوارج الذين هددوهم في عقر دارهم، كما ادعى النبوة رجل يسمى حاييم في جبال غمارة ودخل في دينه خلق كثير من غمارة، وقد شرع لهم صلاتان بالنهار واحدة عند طلوع الشمس والأخرى عند غروبها، تلاث ركعات ويسجدون ويضعون أيديهم تحت وجوههم وجعل لهم قرآن يقرؤونه بلسانهم.كل هذه الديانات زعزعت استقرار الأدارسة في ظل غياب حكومة وجيش قويين يساعدان على إقرار هيبة الدولة. ب -الأسباب الخارجية لقد واكب هذا الضعف والتدهور الداخلي التي كانت تعيشه الدولة الادريسية أخطار خارجية زادت الطين بلة وأزمة في المشهدالسياسي وزادته قتامة، فقد أثرت التدخلات الخارجية لكل من الفاطميين والأمويين سلبا على سياسة الأدارسة. الهوامش: 1- محمد حجي، معلمة المغرب، ج ،1مطابع السلام، ص .261 2- عبد الهادي التازي، التاريخ الديبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، المجلد الرابع، ص .8 3- نفسه، ص. 9 4- أبو عبيد البكري، المسالك والممالك دار الغرب الإسلامي، ،1992ص . 21- 20 5- علي ابن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرببروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار المنصور، 1972ص.22 6- عبد الهادي التازي، مرجع سابق، ص .10 7- احمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الاقصى، تحقيق وتعليق: جعفر الناصري ومحمد الناصري، الدار البيضاء، .1997ص .155 8- سعدون عباس نصر الله، دولة الادارسة في العصر الذهبي، دار النهضة العربية الطبعة الأولى، بيروت، ،1987ص 71-70 9- نفسه، ص 71 10- محمد حجي، مرجع سابق، ص .262 11- عبد الهادي التازي، مرجع سابق، ص.15 12- عبد الله العروي، مرجع سابق، ج ،2ص21 13- محمد القبلي،مرجع سابق، ص.262 14- ابن أبي زرع، مرجع سابق،ص. 22-21 15- مؤلف مجهول، كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار،ص.165 16- محمد القبلي تحيين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في التاريخ المغرب، الطبعة الأولى، المغرب، ،2011ص.158 17- ابن أبي زرع، مرجع سابق، ص.51 18- محمد قبلي، مرجع سابق، ص.158 19عبد الله العروي، مرجع سابق، ص.22 20عبد لهادي التازي، مرجع سابق، ص.21 21ابراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، ج 1دار النهضة العربية، الدار البيضاء، ،2000ص.21 22سعدون عباس نصر الله، مرجع سابق، ص.104 23- نفسه، ص106